26/ 04 / 2008
بكل الوسائل وبشتى السبل تتسابق القوى العلمانية المدعومة من قبل الحكومة في تونس، في حربها الشعواء ضد الحجاب فبعد منعة في المؤسسات التعليمية والأماكن العامة، جاء الدور على الفن التونسي ليكون أحد أطراف الحملة التي تقودها السلطات التونسية، والتي وافقت على عرض مسرحية وطنية مناهضة للحجاب في سوريا في إطار احتفالية دمشق بكونها عاصمة الثقافة العربية لعام 2008.
المسرحية التونسية التي تحمل اسم "خمسون" الرافضة "للحجاب" والتي كتبتها الممثلة جليلة بكار زوجة مخرج المسرحية التونسي الفاضل الجعايبي, تم عرضها (الاثنين) الماضي في دمشق قبل أن تنتقل لتعرض في بيروت تحمل في طياتها العديد من الإساءات للحجاب والرفض له بعبارات صريحة وواضحة.
المخرج يعترف
ولم يتوانى مخرج المسرحية لحظة واحدة في أن يؤكد أنه يرفض الحجاب فعلا، حيث يقول الجعايبي: إن أحد أهم الأسباب التي دفعته للعمل على هذه المسرحية مع زوجته، هو خشيته من أن ترتدي ابنته الحجاب، وأضاف: "لنا بنت عمرها19 سنة بعيدة كل البعد عن أن ترتدي الحجاب، لكن حتى أمل (شخصية رئيسية في المسرحية) كانت بعيدة عن ذلك أيضا، وليس هناك مكان لتهدئة الضمير والقول: إن ابنتي تختلف عن تلك البنت في المسرحية".
وتقوم الفكرة الرئيسية في المسرحية على الربط بين الحجاب والتطرف، حيث إن بطلتها هي البنت أمل، والتي كانت تتصارع مع والديها على ارتداء الحجاب تأثرا بإحدى زميلاتها، التي تقوم بتفجير نفسها في أحد المدارس، تكتشف أمل بعد ذلك أنه من غلاة التطرف والدعوة إلى الأفكار الهدامة، فتقتنع بكلام أبويها وتخلع الحجاب وتصب جم غضبها عليه .
العرض الأول
وتم عرض المسرحية للمرة الأولى في تونس عام 2006, بعد مرور خمسين عاما على استقلالها عام 1956 وأحدثت جدلا واسعا، بعد أن منعت وزارة الثقافة آنذاك عرضها, شهرا ونصف الشهر, فقدمت لأول مرة على مسرح "الاوديون" في باريس, قبل أن تقدم في تونس.
وكان لمخرج المسرحية تصريحات مستفزة أثناء عرضها في المرة الأولى في تونس، قبل عامين، حيث أكد أنه قد آن الأوان لمواجهة تنامي ظاهرة التطرف الديني، عبر منابر الفن بتقليص الرقابة وتوسيع الحريات، وليس باعتماد الأجهزة الأمنية، موضحا أنّ المنطق الأمني والرقابي الذي تستخدمه السلطات ضد معارضيها يزرع بذور التطرف، من بينها التطرف الإسلامي، لذلك ليس هناك حل سحري باستثناء فتح منابر الفن والإعلام بحرية للتصدي لهذا الغول الخطير".
ويتجلى هذا الموقف، الذي يتبناه المخرج بوضوح، من خلال مشهد كاريكاتوري في المسرحية، تظهر فيه مقدمة أخبار في التلفزيون الحكومي التونسي لتنبؤ بتفجير إرهابي بعد ثلاثة أيام كاملة من وقوعه، وتقول: "التحقيقات لا تزال جارية في كنف القانون".
استخدام الفن التونسي في مناهضة الحجاب ليس وليد اللحظة كما يزعم البعض ولكنه قديم جدا فمنذ معرفه تونس للسينما، وهي تناهض الحجاب سواء بشكل مباشر عن طريق بعض التي تدعو لخداعه أو غير مباشر عن طريق عدم إظهار الحجاب في العديد من الأعمال الفنية على الإطلاق، وهو ما يرسخ قاعدة عدم شرعيته لدى المشاهد ولكن هذه الظاهرة، بدأت تتنامى وفقا لما أكدته المخرجة التونسية سلمى بكار، والتي قالت: إنه كان من الصعب جدا قديما أن يتم تصوير أحد المشاهد في عمل فني بالحجاب، ولكن هذا الأمر بدأ ينتشر في العديد من الأعمال الفنية في الآونة الأخيرة .
الصور الفنية
ولم تسلم الصور الفنية الكاريكاتورية من بطش الحملة التي تقودها السلطات التونسية ضد الحجاب أيضا، والتي قامت في بداية العام الحالي بمداهمات لمحلات تبيع الدمية "فلة" بدعوى أنها يمكن أن تشجع الفتيات الصغيرات على ارتداء الحجاب ,كما قام رجال الأمن بمصادرة جميع الأدوات المدرسية التي توجد عليها صورة "فلة"، على غرار الحقائب المدرسية، وحاملات الأقلام، والكراسات التي تحمل على أغلفتها صور "فلة" وهو الأمر الذي جعل عددا من التجار يشتكون من المضايقات، التي يتعرضون لها بسبب توزيع "فلة" أو المنتجات التي عليها تحمل صورتها. وعبّر بعض أصحاب المحلات عن الخسائر المادية التي لحقتهم جراء مصادرة الأدوات المذكورة، لا سيما في ظل إقبال الناس عليها.
ودمية "فلة" المحجبة ابتكرتها شركة "نيو بوي" المسجلة في الإمارات العربية المتحدة في العام 2003، بديلا عن دمية "باربي" التي يعتبرها الشارع العربي رمزا للثقافة الغربية.
وتعتبر تونس من أشد الدول العربية مناهضة للحجاب، حيث تقوم السلطات الحاكمة بشن حملات متنوعة ضد الحجاب، وصلت إلى حد احتجاز المحجبات لساعات طوال داخل مراكز الشرطة؛ لإجبارهن على التوقيع على تعهدات تقضي بعدم قيامهن بارتداء الحجاب مرة أخرى!
حرب مستمرة
وطوال السنوات الماضية لم تنقطع مطاردات النظام التونسي البوليسية للمحجبات على امتداد25عاماً، حيث يتم اعتقالهن من الشوارع ويطلب منهن تعرية الرأس، بل والتوقيع على تعهد بعدم ارتداء الحجاب من جديد.
والعام الماضي كان موعدا لواحدة من أهم حلقات حرب النظام التونسي على الحجاب، حيث ازدادت حملة السلطات ضراوة بعد أن فوجئت بإقبال الكثير من النساء على ارتدائه عابئين بالتهديدات المتوالية، التي تقوم السلطات بإطلاقها لهن بين الحين والآخر مما جعل السلطات تمنع المحجبات من دخول المدارس .
الرئيس التونسي "زين العابدين" قاد بنفسه الحرب على الحجاب داعياً إلى ما أسماه "تكريس الاحتشام وفضيلة الحياء"، ورافضاً الحجاب الذي أسماه "زيّاً طائفياً! وفى الوقت نفسه أكد الناطق باسم الرئاسة التونسية، عبد العزيز بن ضياء، أنّ الحكومة تعارض هذا اللباس بقوة، فيما تتسامح مع ما وصفه باللباس التقليدي التونسي!
وكانت النساء التونسيات قد عدن خلال الآونة الأخيرة وبقوة شديدة لارتداء الحجاب، الذي كان قد أوشك على الاختفاء بعد أن أصدرت السلطات الرسمية في عام 1981م منشوراً قضى باعتبار الحجاب رمزاً طائفياً يجب محاربته ومنعه في المدارس الثانوية والجامعات، مما أدى لزيادة التمييز ضد المحجبات في المدارس والجامعات التونسية بصورة واضحة، وحتى بعد تخرجهن حيث يواجهن صعوبات بالغة في الحصول على وظائف حكومية.
ويعد الإعلام أحد أهم الأسلحة التي تستخدمها السلطات التونسية في حربها المتواصلة على الحجاب، حيث تقوم الصحافة المحلية منذ فترة طويلة بتكريس عدد كبير من صفحاتها للهجوم على هذا الزي الإسلامي الأصيل والدعوة لإنقاذ المرأة منه.
إسلام تايم – صابر عيد